تحدث مع شخص آخر ، (صديق، جار، قريب، رجل دين)، فالبوح والفضفضة تنزع فتيل
التوتر، وتفتح آفاقاً جديدة فى الدنيا التى ضاقت فى عينيك. أن تجهر بأفكارك
وتقرأها بصوت عال يحررها من قيودها، ويوضحها أكثر وأكثر. أن تتقاسم مع آخر أو
آخرين مشكلتك فهذا سيريحك، على أن يكون من تتحدث معه دافئ المشاعر ومتفهماً.
حتى لو لم يفهم أو يتفهم الطرف الآخر أبعاد المشكلة، فإن الحوار سيجعلك
غاضباً غلى حد كسر (خشبة)، أو (كوب فارغ) لتفرغ شحنة الإكتئاب، وقد يدفعك كل هذا
إلى التفكير بشكل مختلف.
الطب النفسى يوضح أبعاد هذه المشكلة فيقول: إن عملية سرد مشكلاتك غالباً ما
تقدم لك إجابات، وتحررك من العبء الواقع على كاهلك، ومن ثم فإن الحديث مع آخر يكون
بما تعطيه أنت وليس ما تجنيه، بمعنى أن الإستفادة لك هى عملية البوح ذاتها، وليس
فى التعرف على نصائح أو إرشادات معينة.
إنك بذلك تكسر ذلك الحاجز الزجاجى للإكتئاب، والذى يفصلك عن الآخرين ويعزلك
عنهم تماماً.
إن حجز مخاوفك ومشاعرك هو فى حد ذاته سبب، ومحصلة الإكتئاب. إذا أحسست
بالإكتئاب فلسوف تحس بمقاومة كل رغبة فى التواصل مع الآخرين. دع نفسك تمسك بزمام
المبادرة، ادفع بنفسك إلى الشخص الذى ستحاوره وستفتح له صدرك دون إنتظار رد فعل،
إجابة أو نصيحة.
أمثلة لأسباب الإكتئاب
إن منطقة الخوف تحوى فى مساحتها الخجل، وعدم القدرة على ذكر أمور حساسة
وهكذا، وسوف نورد بعض الأمثلة:
·
الأمهات وأطفالهن الصغار، حيث تعتقدن الأمهات
أن غيرهن من الأمهات الأخريات يربين أولادهن أفضل، وأنهن يتعاملن بسلاسة أكبر مع
المواقف الصعبة. ومن ثم يتولد إحساس بالمرارة لفقدان حرية الحركة، وهذا إحساس غير
طبيعى، لكن من المهم أن تكونى حرة فى التعرف والتعامل مع إحباطاتك كما تتعاملين مع
نجاحاتك، وتتعرفين على إحساس الأمومة، وتعرفينه بحق. وفى هذه الحالة مكنون السعادة
الكاملة.
·
إذا مررت ببعض التغيرات الحياتية مثل التخرج،
الإستقلال عن الأهل، العمل بعيداً عن مكان الأسرة، هنا قد يكون الأمر صعباً
للغاية، ولذا ينبغى أن تسمح لنفسك بالإعتراف بأخطائك، وبأنك لم تنجح فى تحقيق
أحلامك وتحدث بصراحة عن خوفك من تقدم العمر، وعند البوح بكل هذه المخاوف والمشاعر
لمستمعك ستجد أن يتشارك معك فى بعضها أو كلها، وهنا ستجد أنك لست وحيداً.
·
إذا أقتضت صحتك أن تذهب إلى المستشفى لفترة
وجيزة أو طويلة فقد تحس بالوحدة، لكن إذا نظرت حولك فسوف تعرف أنك لست وحدك
مريضاً، بل إن غيرك مشاركون لك فيما تعانيه أو أكثر.
قد لا ترغب فى الحديث إلى أخر أو أخرين خشية أن تكون عبئاً. ولأنك فى حالة
إكتئاب فسترى أن الأخرين لا يعبأون بك مطلقاً، فى مشاركة الألم.
أول خطوات العلاج
إن أول خطوات العلاج تتمثل فى تغيير الحياة الساكن وتسيير الماء الراكد. عندما
يكتئب الإنسان فإنه لا يتمكن من تصور أنه يقدر على تغيير ما حوله، ويسمى بأنه ضحية
لكل الظروف، وأنه من المستحيل أن تكون هناك بادرة أقل لتغيير الأحوال بأى شكل.
حاول أن تتعرف على قدر ولو كان بسيطاً من الطاقة، لتغير بها واقعك ولو
قليلاً. اقفز من فوق أسوار اليأس، إستخدم ذكائك، وخذ قرارك بالتغيير مهما كانت
قسوة الواقع وقتامته.
حطم الروتين
من السهل جداً أن تقع فريسة لوضع معين فى البيتن يصبح فرضاً مع مر الأيام،
وسيولة الزمن، وتنسى مع الرتابة والتعود الأمر الواقع أنه بالإمكان تغيير ذلك
الواقع.
مثلاً: ليس ضرورياً أن تأكل ثلاث مرات يومياً، وليس واجباً أن تشاهد
التلفزيون كل مساء، أو أن تقضى كل وقتك فى المشاجرة، وفى الأمر والنهى وملاحقة
الأولاد لكى يكلموا واجباتهم أو يوقفوا خناقاتهم.
ليس ضرورياً أن تعيش مع حماتك، أو فى أى وضع أخر تتخيل أنك مجبر عليه. عليك
أن تختار شكل الحياة التى تريد أن تعيشها، لكنك تجد نفسك فعلاً غير قادر على
التغيير ببساطة لأنك مكتئب.
أنت مكتئب جداً لدرجة عدم الفعل.
أنتظر حتى ولو قليلاً ثم تصرف.
أنت مكتئب لدرجة أنك لا تعرف ماذا تفعل؟ تحتاج لأن تتكلم وتحكى لشخص أخر
(كما ذكرنا سابقاً)
قد تتغير أن أى تغيير ستقوم به سيكون موجهاً ضد شخص ما! ومن ثم فإنك تجبن
وتخاف وتتراجع، كل هذا مجرد (حجج)، تمعن فى الأمر، غير من واقعك، وتوكل على الله
طالما أنك لن تأذى أحدا، ولن تجرح شعور أى إنسان، لا يمكن أن تستمر كذلك هكذا فى
جو من الكبت والمرارة والحزن المزمن.
ربما أنك بعيد عن أى مشاعر أو مواقف أو فاعليات قد تنمى لديك الإحساس
بالمعنى والبهجة، حاول أن تجد طريق العلاج بالحوار، لكى تتعرف على أحاسيسك.
إذا كنت ترى أنك تحت رحمة أحد، أى شريكك فى الحياة، رئيسك فى العمل، أو أى شخص أخر، فلا تخف من أن تجد فى هذا الواقع تحدياً حقيقياً عاقلاً، ليست منه بطولة زائفة أو رعونة شائكة، أحسبها (صح)، تعرف على ما قد تخسره عند المواجهة.
إذا كنت ترى أنك تحت رحمة أحد، أى شريكك فى الحياة، رئيسك فى العمل، أو أى شخص أخر، فلا تخف من أن تجد فى هذا الواقع تحدياً حقيقياً عاقلاً، ليست منه بطولة زائفة أو رعونة شائكة، أحسبها (صح)، تعرف على ما قد تخسره عند المواجهة.
ونذكر فى هذا الصدد مثال رغم أنه لا يتناسب مع ديننا وثقافتنا إلا أن يوضح الفكرة
السابقة فى التصرف بروية وحكمة عند محاولة المواجهة. فى إحدى دول أوربا صرخ لاعب
كرة قدم لمعالجة أن أمه التى دأبت على محاولة جذبه إليها معظم الوقت قد دفعتها
الظروف إلى العيش والإقامة معه، بعد أن اندلعت النار فى مطبخها، ومن ثم لم يجد
اللاعب بدا من إقامة والدته مع فى منزله، ومن ثم أصابه إكتئاب، ولم يخش التصريح
بأنه أحس بها عبئاً يثقل كاهلة، وأن الأمر برمته يدفعه إلى الغضب، لكنه أحس أن
الغضب فى مثل هذا الأمر مرفوض وغير عادل، لكنه فى خضم إكتئابه – لم يتمكن من
التعرف على أى شئ أحس بغضبه يتفجر، وهو يضرب كرة القدم أو يحارب لينتزع الكره.
تعرف اللاعب على غضبه، ولم يسء إستخدامه، بل توجه وصهره فى أدائه ودون أى شعور
بالذنب اتخذ اللاعب قراراً بالتفاهم مع امه، ووجددا سوياً – أن مكاناً اخر بيتاً
للمسنين، سيكون أفضل لصحة كليهما، ولم يحس اللاعب بأى شعور بالذنب تجاه والدته، بل
على العكس تحسنت علاقتهما لأنه أصبح حراً من إكتئابه ومشاعره المتناقضة، وهى تحررت
من أن تكون عبئاً على ابنها وعلى أسرته.
أبتعد (بعض الوقت) عن جو البيت
مما لاشك فيه أن كل بيت لا يخلو من بعض المشكلات، وهذا لا يعنى نهاية
العالم أو الفشل النهائى، لكنه يعنى لك أن تحدد وتتعرف على تلك المواقف التى تزعجك
وتضايقك، ومن ثم تمتص طاقتك وجهدك.
إذا كنت أباً أو أماً (محبوس) فى البيت مع الأولاد، فعليك أن تجد متنفساً
للإحباط الذى قد يكون قد داهمك، تذكر أنك لست وحدك، هناك كثيرون لديهم المشكلات نفسها،
إن لم تكن أصعب وأكثر منها.
تنبه إلى ضرورة أن تقضى وقتاً مجدداً بعيداً عن البيت، بالنسبة للأمهات
يمكن لهن أن يتبادلن رعاية الأطفال وفى وقت التبادل تتمكن الأم من الترويح عن
نفسها بالخروج للتريضن بأى شئ آخر مجرد أن تبعد عن جو البيت والأولاد، وما يخلفه
هذا الموقف من رتابة تدفع إلى السأم والإكتئاب.
حاول أن تُكسب جسدك وذهنك اللياقة المناسبة، الأمر لا يحتاج إلى خلق معسكر
داخل البيت والبقاء فيه لمدة طويلة أو لأيام متتالية.
كسر الرتابة سيساعدك على رعاية أطفالك بشكل أفضل.
غير من عادتك التى تبعث عليك الملل
العادة راحة – أحياناً – والتعود على نظام معين قد يكون مريحاً، لكن يحتاج
المرء إلى التغيير الضرورى لشحن بطارياته ولنأخذ بعض الأمثلة:
الطعام :
غير فيه، فى شكله وطعمه وطريقة تقديمه. تذكر إن إنتشار مسألة أن كل واحد
يأكل فى وقت مختلف ويأكل (الأكل السريع) إن الأكل خارج البيت – ما أمكن ذلك – (وقتاً
وتكلفة) مهم، لكن التجمع حول (اللقمة الهنية) أيضاً هام للصحة النفسية وللفرد
وللأسرة.
النوم :
بعض المكتئبين يصيبهم وسواس عدد ساعات النوم وضرورتها. ليست هناك قاعدة
عامة بشأن عدد الساعات التى يجب أن ينامها الإنسان، قلة النوم ليست بالضرورة مضرة
للجسم، عموماً يأخذ الجسم كفايته من النوم، ويختلف ذلك بإختلاف المراحل التى يمر
بها الإنسان. إذا كان نومك غير كاف، حاول أن تذهب إلى فراشك فى ساعة متأخرة من
الليل، واستيقظ فى الصباح الباكر، أو فى الساعة التى تستيقظ فيها عادة. أحياناً
يُستخدم الحرمان من النوم لعلاج بعض حالات الإكتئاب فى تلك الحالة يستدعى الأمر أن
يظل الإنسان متيقظاً لمدة 36 ساعة، مرة أو مرتين أسبوعياً وهناك من يلجأ إلى هذه
الطريقة دون إشراف طبى لكن يجب إدراك أنها مسألة صعبة جداً.
الجنس :
إذا لم تكن مكتئباً للغاية، ولم تزل لديك بعض المشاعر الحسية، حاول أن تغير
روتين المعاشرة الجنسية، وتخليصها من مسألة (الواجب) الذى يجب أن يؤدى، غيّر
المكان والزمان والألوان قدر إمكانك، وحسب ميزانيتك، تحدث عن الجنس فى صراحة. اكشف
جسد زوجتك / زوجك، تعلم أسراره، حاول.
الروتينيات :
حاول قدر إمكانك تغيير مواعيدك ونظام حياتك، إذا كانت جريدة بالصباح تبعث
فى نفسك بالضيق أو باللامبالاة فلا داعى
لقراءتها لعدة أيام، أو تركها مطلقاً. غيّر الأماكن التى تتنزه فيها، حتى لو تطلب
الأمر بعض المشقة للذهاب إلى مكان بعيد نسبياً، حاول أن تذهب إلى السينما بدلاً من
التبلد أمام التلفزيون فى البيت، حاول أن تفعل عكس ما تعودت عليه، ولنرى ما الذى
سيحدث، حاول أن تجيب على اسئلة الناس بشكل مختلف، أى أبتعد عن الأكليشيهات، إنه
تحد ذكى لأمور تعودت عليها لفترة طويلة.
حاول أن تكون مفيداً
أخطر ما فى البطالة والمعاش هو الإحساس بعدم الفائدة. هذا الإحساس قد يمنعك
من البحث عن عمل، ومن ثم يقل إعتبارك النفسى وهنا :
حاول أن تقوم بعمل ذى قيمة، أى عمل حتى ولو كان بسيطاً. أختر عملاً من أبسط
ما يكون كأن تصلح شيئاً فى البيت مثلاً أو أن ترتب الكتب، أو أن تضفى بشكل أو بأخر
رونقاً على البيت أو مكان العمل، اعمل شيئاً أو أصلح شيئاً يجعلك تحس بالقيمة،
قيمة لوجودك.
إذا كنت لا تعمل أو لم تزل منتظراً الإختبار الوظيفى (أو المقابلة interview) لا تدع
اليأس يمتكلك وأنت فى إنتظار بدء العم، أمسك بزمام كل مقومات الحماس داخلك، وأشحذ
طاقتك، وابحث عن كل ما يتعلق بعملك.
فكر ملياً ولا تنزعج من أداء عمل بسيط ربما تبدأ به حتى لو كان لا يناسب
كفاءاتك وقدراتك.
إذا كنت محالاً على المعاش ففكر فى قضاء سنوات العمر مرتاحاً تقرأ وتغنى
وتلاقى الأصدقاء، وابحث عن معنى الحياة.
أسباب الحياة
ربما فى اشد لحظات اليأس، تسأل نفسك، ترى ما هو مبرر الإستمرار؟ تذكر أنه
طالما فيك نفس، فإن مجرد وجودك على هذه الأرض لحكمة الله هو أكبر معنى.
إن أخطاءك التى تكون قد ارتكبتها ليست مجرد أخطاء فى حد ذاتها، لكنها درس
دروس وعبر، تعلمك الكثير عن هذه الحياة.
العطاء أن تعطى شيئاً معنوياً أو مادياً، العطاء من أعظم مضادات الإكتئاب.
علاج الإكتئاب مع د/ مصطفى محمود
وهذه حلقة هامة جداً عن علاج الإكتئاب مع د/ سعيد عبد العظيم
علاج الإكتئاب مع د/ مصطفى محمود
وهذه حلقة هامة جداً عن علاج الإكتئاب مع د/ سعيد عبد العظيم
إرسال تعليق